ليس للتين أو الزيتون نغضبْ
نحن للإسلام لا للأرض ننسبْ
ليس للموز أو الليمون أو قمح الموانئْ
نحن لسنا من عبيد الطقس ديدان الشواطئْ
ما عشقنا في فلسطين ِصباها
أو َصباها، أو رباها
ما عشقناها عروساً في بهاها تتطيّبْ
كفّها في ليلة الحنّاء تخضبْ
ما عشقناها مناخاً، وفصولاً
وجبالا وهضاباً وسهولا
بل عشقناها دويّاً وصليلا
وغبارا في سبيل الله يُسفى، وصهيلا
وسطورا بل فصولا في كتاب المجد تكتبْ
عبر أجنادين، أو حطين، أو غزة طولا
وسرايا أمّة الكفر على صدر صليب الكفر تصلبْ
وعشقنا في فلسطين من الأهوال جيلا
جعل التكبير والأحجار أقوى خطبة للعصر تخطبْ
جيل أبطالٍ من الأطفال في الضفة يُنْجَبْ
هكذا تبقى فلسطين ضميرا ، وكيانا في دمانا يتلهَّبْ
هي في عمق هوانا درة من درر الإسلام تسلبْ
ولهذا ليس للتين أو الزيتون نغضبْ
ألف كلا. ثم كلا
ما عشقناها كيانا مستقلا
جلّه يحكم بالتلمود مضمونا وشكلا
وبقايا ما تبقى يرفع الراية تسليما وذلا
ألف كلا
ما عشقناها شعارا أو قرارا
بل عشقناها شبابا لذرى المجد تبارى
ما عشقناها لفيفا من لصوصٍ
تسرق الحب نهارا
تخطف الخبزة من أيدي يتامانا اتِّجارا
وتخلّيها خمورا ليهود ونصارى
أيعيد الوطن المحتل يا قوم سكارى من سكارى
ألف كلا
لا تقولوا قد تطرَّفت وجاوزت الإطارا
هذه الأشعار ليست كلمات
إنها أدخنة من فؤاد شبَّ نارا
أخبروني
أين أوراق القضيهْ؟
أهي في تلك المباني والكراسي الذهبيهْ؟
أهي في مجلس محو الأمن في محو الهويهْ؟
أهي في أنياب ذئب أطلسي؟
أم ثوت في رأس حيَّهْ؟
ألف كلا
إن بيت الداء في أنفسنا
وهنا تكمن أسرار القضيَّة
ألف كلا . ثم كلا
صرخة المسلم من نجد إلى تطوان غربا
فبخارى. وسفوح الصين شرقا . فالمكلا
ألف كلا
ما أردناها كنيسا بل مصلى
ألف كلا ، ثم كلا
كل حلٍّ ليس في القرآن والسنة لا نرضاه حلاّ
مزِّقونا وانثروا اللحم على كل طريقْ
لا تبالوا ، حرقونا وارقصوا حول الحريقْ
وزِّعونا في الصحاري ، أطعمونا للحوت
كل هذا في نظام الغاب جائز
غير أنا لن نبيع القدس أو أي مدينة
هل يبيع المؤمن الصادق للأعداء دينه
ارحمونا من تفاهات حلول في المزاد
ودروس من مساق الذلّ ُتقرأ وُتعاد
ما رضينا، فقبول الظلم ظلم، والرضى بالعار عارْ
قد نذرنا دمنا زيتا لقنديل الجهاد
حلّنا يأتي عزيزا فوق صهوات الجيادْ
ليس في الأكفان محمولا إلى "أرض المعاد"
جرِّدونا من رداء المجد من نبض الفضيلةْ
أسعروا الحرب علينا بقوانين القبيلة
لم نكن يوما على دين (غُزِيَّةْ)
بل على أقدامنا تنهار دعوى الجاهليةْ
عهدنا باق إلى آخر مسجدْ
لن نبيع القدس يوما ما بقي فينا موحِّدْ
ثم ماذا قيل عن هذي القضيةْ
قال حكام ، وقوّادٌ كبار وجنودْ
أرضكم أرض ككلِّ الأرض في هذا الوجود
لا تزيدوا وجع الرأس علينا واتركوها لليهود
هي لا تُنبت درا أو زبرجد
ليست الأحجار فيها من عقيق لا ولا التربة عسجد
قلت: ياقوم أقلوا إنها مسرى محمد
إنها معراجه المفضي لأطباق السماء
وبها صلى بكل الأنبياءْ
هل رأيتم في رؤى الماضي، أو الدنيا الجديدة
هل علمتم ، أو سمعتم، أو قرأتم في كتاب أو جريدةْ
أنَّ عبدا مؤمنا يطرح للبيع (عقيدة)
هذه القدسُ مزيجٌ من صمود ومرارهْ
لم تكن يوما لبيع أو إعارةْ
هي للأمة (ميزان الحرارةْ)
ناطق التاريخ في أحيائها يطلب ثارهْ
كل شبر من ثراها فيه للتلمود غارة
هذه القدس نسيج من سناء وطهارةْ
ها هو الفاروق في أفيائها يرفو إزاره
وصلاح الدين يمحو أثر الكفر الصليبيِّ وعارهْ
ثم في غفوة قومي
قبض الراية أطفال الحجارةْ
ثم ما ذا ؟ ولماذا؟
تسعة الأصفار تبقى أمة تلهو وتلعبْ
أدمىً نحن؟ رجال من عجين نتقولب
أم ظهورٌ ومطايا "كل من يرغب يركب"؟
سخر التاريخ منَّا
دمنا يرخص كالماء ولا كالماء يشرب
إن تكن تعجب من كثرتنا فالجبن أعجب
قد يُخِيفُ الذئب من أنيابه مليار أرنب
ذات يوم سألوني : أنت من أي البلادِ؟
لاجئٌ أنت طريدٌ
فيك شيءٌ غير عادي
خِلته كان سؤالا شقَّ كالسهم فؤادي
إن أرضي كل أرض تعشق التكبير في صوت المنادي
قد تجاوزنا عصور البلقنةْ
وتخطينا خطوط اللبننةْ
لا تحاكمني إلى الأفغان أو للأفغنة
وطنُ الإسلام أرضي
وانتمائي للجموع المؤمنة
وبلادي حدها شرقا وغربا أو شمالا وجنوبا مئذنة
سألوني ذات يوم عن بقايا ذكرياتي
عن حياتي كيف كانت
كيف مرت أمسياتي
فتصفَّحْت كتابا معجميّاً هائل الحجم، كثير الصفحاتِ
كل حرف فيه يحكي قصصا
لجروح ونزوح وشتاتِ
ذلك المعجم يحوي أدبا غير الذي تعرفه
سمِّه أنت إذا شئت حياتي
آه ! واقدساه من ظلم قريبي
وهو يكويني ، ومن كيد البعيدْ
لا تلوميني على غمي وحزني
لا تلوميني على بؤسي ووهني
لا تظني غيْبتي من سوء ظنِّي
أو قعودي عن لظى الحرب لجُبْني، أو لسِنِّي
لا تلوميني فإني
زرعوا قيدين في رجليَّ: قيد من حديدْ
مدمنُ العضِّ ، وقيد من حدودْ
كلما جئت مطارا أو قطارا للعبورْ
قدَّم القوم اعتذارا: أنت ممنوع المرور!!
هذه أوراق إثباتي بأني عربي
مولدي، أمي، أبي، عمي، أخي، جد أبي
سحنتي، لوني، لساني، نسبي
عشت في هذي البراري منذ عاش الدينصورْ
وأكلْتُ الحنظل المرَّ ومنقوع القشورْ
قذفوا الأوراق في وجهي ولفّوا طلبي
وجهارا أقسموا لي : أن سرّ المنع أني عربي
هذه التهمة مهما بلغت نصف الحقيقة
نصفها الآخر يكمن في تلك "الوثيقة"
كتب الكاتب فيها أنني من أهل "غزَّة"
قرروا أن يشطبوها، كرهوها
إنها تشبه في الأحرف "عِزَّة"
حرموني من صغاري ، من عيوني ، ويديَّا
حرَّموا الحُبَّ علي
جرَّبوا كل سياط القهر في
صادروا الحرف الذي أقوى على النطق به
قلعوا الأضراس من فكِّي، وقصُّوا شفتيَّ
حطَّموا كل عظامي
وبعنْف مارَسوا الإرهاب في ذاك الحطامِ
وتلا القاضي على الناس اتِّهامي:
إنني شخص أصوليٌّ أجيد العربية
ولدى نفسي بقايا من حميَّة
أنني "مُعْدٍ" لكوني فيَّ "فيروس" القضيَّةْ
ثم ماذا ؟
ذات يوم أبصروا في شعر وجهي بعض آيات الصلاحْ
هذه الشعرات عنوان الرجولةْ
فتنادى علماء النفس والخبرة من كل البطاحْ
درسوني وطنيا
درسوني عربيا
درسوني عالميا
فإذا التقرير قد أوصى بنتف الشعر بحثا عن سلاح
ثم ماذا ؟
ذات يوم هدموا جدران بيتي
ورموني في العراء
تحت نهش البرد والظلمة في فصل الشتاء
ليس شيء بين جلدي وصقيع الأرض أو نَدْف السماء
رجفت أعضاء جسمي واستقر الموت في لحمي وعظمي
فتنادوا لاكتشافي
رصدوا كل خفايا حركاتي باهتمام
فحصوا نبضات قلبي ودمائي بانتظامْ
درسوني وطنيا
درسوني عربيا
درسوني عالميا
وأداروا آلة التنقيب عن أسرار همي
فأتى التقرير مختوما بتوقيعي وختمي:
هو شخص دمويٌّ حركيٌّ
قلبه يخطر في أعماقه "قلب النِّظام"
ثم ماذا ؟
ذات يوم وقف العالم يدعو لحقوق الكائناتِ
كل إنسان هنا ، أو حيوان، أو نباتِ
كل مخلوق له كل الحقوق
هكذا النصّ صريحا جاء في كل اللغاتِ
قلت للعالم : شكرا أعطني بعض حقوقي
حق أرضي، وقراري، وحياتي
فتداعى علماء الأرض والأحياء من كل الجهات
درسوني عالميا
فأتى التقرير لا مانع من إعطائه حق المماتِ
قال قوم لا تنادوا للفداء
يغضب الساسة من هذا النداء
يخجل الساسة من هذا النداء
لغة الحرب تولَّت في الأساطير القديمة
لهجات الحرب بادت كالسلالات الكريمة
نحن في عصر سلام عربيٍّ
قد نزعناه بوعي من تلافيف الهزيمة
وعلى ذلك فالحرب أو التفكير في الحرب جريمة
كلما جُدِّد للذل احتفال، ودُعينا لنقيمه
رقصتْ أضراسنا شوقا إلى تلك الوليمة
هل نشأنا كسيوف العصر لا تعرف للعزّة قيمة
في بلادي آلة الحرب معاقة
كل صاروخ ورشاش بها شدوا وَثاقه
نحن لا نعشق ضرب الغاصب المحتل
بل نهوى عناقهْ
آلة الحرب التي نملكها جاءت هدية
قيل لا تعمل إلا عند حرب عالمية
كتبوا تاريخ الاستعمال فيها بحروف أجنبية
لا علينا
نحن أهل اللغة الفصحى فلا نقرأ إلا العربية
كلما احتُلَّ من الأمَّة ثغر
كلما مُزِّق قطر
كلما أوغلت النكبة قلنا : ما علينا
أخبروني
أين ألقي غضبةً لله في العالم أينا؟
كيف أمسيتِ بلادي ؟
كيف أصبحتِ بلادي؟
كيف أمسى البدر في جوّك مغلول الأيادي
لا تلومي صارخا يصرخ في كل النوادي
كيف يخفي نازف الدمع عيونه
لا يلام الواله المكروب إن أبدى أنينه
قصة القدس التي تُروى حزينة
قصة القدس دماء وجراح
وكرامات طعينهْ
ليست القدس شعارا عربيا كي نخونه
لا ولا القدس يتامى ، وطحينا ومعونه
إنها القدس وحسبي أنها أخت المدينةْ
بسط البغي لها كفّا من الغدر لعينه
كفُّ جزار رهيب جعل الإرهاب دينه
قبل أن يبسط للسِّلم يديه وقرونه
مد للأغوار رجليه وللنفط عيونه
واقرؤا القرآن يا قومي لما لا تقرؤونه ؟
كم نبيٍّ وتقيٍّ دون حق يقتلونهْ
كم عهود خفروها واتفاق يهدرونهْ
لو هدمتم لهم الأقصى ودمّرتم حصونهْ
وبنيتم لهم الهيكل أو ما يطلبونهْ
ثم أهديتم فلسطين لهم دون مؤونةْ
طالبوكم عبر أمريكا وأوروبا بإبداء المرونة
هذه القصة.. لا سلم ولا ما يحزنونهْ
قصة القدس انتقام، صفقات ، ومجازرْ
قصة القدس خيانات جيوشٍ
وعروشٍ وكبائرْ
واسكبوا الشمع على الفور بفيها
يمنع التصريح و التلميح فيها
ما خسرنا نحن قوم لا نبالي بالخسائرْ
لم يزل في خطنا الأول للزحف إليها
ألف رقَّاص وفاجر
قصة القدس طويلة
مسرحيات، وأفلام، وأقلام قتيلة
وكتاب من نزوح كتب الظلم فصوله
وذروني أجمل القصة في هذا المقامْ
قام قصاص ووعاظ وتجَّار كلامْ
بشرونا بسلام، ونظام عالميّ لا يضام
هكذا يزعم أقطاب النظام
يا لقومي
منحة السلم عصا ، طبخة السلم حصى
هل سنطهو من حصى السلم الطعام؟
يا بني قومي اسمعوها
صرخة مني تدوي في الأنام
عن قريب
عن قريب تلد الأجواء إعصار السلام
وعلينا وعليكم .. وعلى الدنيا السلام
الشاعر/ عبد الغني التميمي